الثلاثاء، 19 أبريل 2011

مفهوم ودور النقابات المهنية في مصر

مفهوم ودور النقابات المهنية في مصر
تمهيد
عندما عبرت البشرية من مرحلة الإقطاع والحرف اليدوية إلي المرحلة الرأسمالية التجارية والصناعية تغير شكل ممارسة الصناعة من الحرف التي كانت تتولي التدريب وتضع شروط ممارسة الحرفة وتقديم الدعم الاجتماعي والإعانة لأعضائها ويتولي شئونها شيخ الحرفة مثل النحاسين والحدادين والنجارين....الخ. بذلك انتهي عصر الإنتاج الحرفي واليدوي والمنزلي الذي كانت الأسرة كلها تعمل فيه وتملك وسائل الإنتاج إلي عصر المصانع والانفصال التام بين العامل ووسائل الإنتاج وتحوله من مالك لأدوات الإنتاج ومنتج ومسوق إلي أجير لا يملك ما يبيعه سوي قوة عمله.
بعد الثورة الصناعية وبدء الصناعة بمعناها الحديث القائم علي التخصص وتقسيم العمل أصبح العامل يبيع قوة عمله لتقديم قيمة مضافة تعود علي صاحب العمل ، وكان أصحاب الأعمال حريصين علي تحقيق أقصي استنزاف لطاقة العمال ومنحهم أقل أجور ليستطيعوا بيع منتجاتهم بأسعار تنافس في السوق. وعندما نشأ الصراع بين العمال وأصحاب العمل ظهرت الحاجة لتنظيم اجتماعي يتناسب وتطور العصر فبدء العمال في تكوين جمعيات وروابط تتبني الدفاع عن مصالحهم أمام أصحاب العمل .ثم ظهرت النقابة العمالية في انجلترا التي كانت أول من يدخل مرحلة الرأسمالية ثم تبعتها باقي الدول الأوروبية والعالم وكانت نقابات حرفية مثل نقابة عمال الطباعة ونقابة عمال الغزل اليدوي.
ولدت النقابة كشكل للتنظيم الدائم والمستمر للطبقة العاملة , وهي كيان ديمقراطي يؤسسه العمال ويسيرونه للدفاع عن أنفسهم ،وتحسين ظروف معيشتهم وظروف عملهم بالمفاوضات.وعرفت الإضرابات كوسيلة من وسائل التفاوض من أجل أجور أعلي وشروط عمل أفضل. فالنقابات منظمات طوعية ديمقراطية يكونها العمال وينضمون إليها لتحقيق مصالحهم الجماعية ، وضروري للقيام بأغراضها وتحقيق أهدافها أن تكون مستقلة عن أصحاب الأعمال والحكومات والأحزاب والحركات السياسية كلها، وان لاتخضع إلا لإرادة أعضائها من خلال جمعياتها العمومية التي لها وحدها تحديد أهداف وقوانين ولوائح النقابات وسياستها وطريقة عملها واختيار قيادتها ومحاسبتهم.
الاتفاقيات الدولية
بدأت اتفاقيات العمل الدولية الخاصة بالنقابات باتفاقية رقم 11 التي أبرمت سنة 1921 بإعطاء العمال الزراعيين الحق في الاجتماع والتكتل ثم حق النقابات في الاجتماع وحل المنازعات في الأقاليم التابعة. ثم الاتفاقية رقم 87 الخاصة بالحريات النقابية وكفالة الحق النقابي. والتي صدرت في سنة 1948 واستندت إلي المبادئ التي أقرها مؤتمر فيلادلفيا وإلي أسس التنظيم الدولي التي أقرها مؤتمر العمل الدولي في دورته الثلاثين.
تعتبر هذه الاتفاقية أساس الحرية النقابية لجميع الدول التي انضمت إليها ومن بينها مصر.واهم هذه الأسس:
للعمال

وأصحاب الأعمال بدون أي تمييز الحق في تكوين المنظمات التي يختارونها أو الانضمام إليها بدون حاجة إلي إذن سابق ولهم الحق في إعداد لوائح نظامها الأساسي.
تمتنع
ä
السلطات العامة عن أي تدخل ولا تكون المنظمات عرضة للحل أو لوقف نشاطها عن طريق السلطة الإدارية ولهم الحق في الانتماء إلي المنظمات الدولية.
يتعهد العمال
ä وأصحاب الأعمال عند استعمال حقهم النقابي باحترام القانون ويحدد التشريع الوطني مدي سريان هذه الاتفاقية الدولية.
حددت الاتفاقية أسس الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي وقد انضمت إليها مصر.وقد حرمت الاتفاقية الإضرار بالعامل بسبب انضمامه للنقابة وأقرت حماية النقابات من تدخل بعضها في أعمال الأخر أو تدخل منظمات أصحاب الأعمال في النقابات مع توسيع المدي أمام النقابات في التفاوض الاختياري لعقد اتفاقيات جماعية . ثم صدرت الاتفاقية رقم 98 لسنة 1949 بتطبيق مبادئ حق التنظيم والمساومة الجماعية.
كما حدد الفقيه العمالي الدكتور إبراهيم الغطريفي الأغراض التي وجدت النقابات من أجلها بما يلي:
1. صيانة حقوق العمال ورفع مستواهم الأدبي والمادي ويكون ذلك بشتي الطرق ومن بينها الاشتراك في وضع عقود عمل مشتركة بين العمال وأصحاب الأعمال.وتتناول عقود العمل كافة شروط العمل مثل الأجور والأجازات والمكافآت وغير ذلك.
2. التدريب المهني والثقافة العمالية لكي يتمكنوا من مسايرة العصر الذي يعيشون فيه والتجاوب مع المجتمع الذي يعملون من أجله.
3. تهتم النقابات بوضع مستويات للمهارة الفنية في المهن المختلفة حتي تتضح العلامات الفنية المميزة لكل مهنة .
4. العمل في مجال التأمين الاجتماعي وتقديم المعونات للعمال قبل ميلاد النظم التأمينية المتعارف عليها حالياً.

تطوير أهداف الحركة النقابية
تتطور أهداف النقابات دائماً لتساير تطور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العالم حيث تشمل:-
1- الدفاع عن الحق في العمل وعن سياسات خلق وتوسيع فرص العمل.
2- المشاركة في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
3- التعاون مع المنظمات الجماهيرية والغير حكومية لفرض السياسات الاجتماعية التي ترعى مصالح أصحاب الأجور خاصة في حقوق الإسكان والعلاج والرعاية الصحية والتعليم والنقل والاتصال وغيرها من الخدمات العامة الاجتماعية والثقافية والترفيهية.
4- العمل على زيادة القدرة الشرائية للأجور والمعاشات وتعويض البطالة مع الرقابة على الأسعار، ومقاومة التبذير الرأسمالى وتحميل الأزمات الاقتصادية على الفقراء .
5- الحق في المفاوضة الجماعية وحمايتها من أي تحكم إجباري، وحمايتها من التأثير والضغوط، والإشراف على تنفيذ نتائجها بعد إبرامها في عقود واتفاقيات جماعية.
6- مشروعية استخدام وسائل الكفاح الجماعية للعمال وعلى رأسها الإضراب عن العمل والإضراب التضامني و الاجتماع والتظاهر والاعتصام وحرية الإعلام.
7- تشجيع التقدم نحو الديمقراطية، وإشاعة الشفافية وتوفير المعلومات والممارسة المتكافئة لعلاقات العمل والقضاء على التمييز.
8- تعميم الحماية التعاقدية والتأمينية والنقابية على جميع العمال في كل القطاعات بلا تمييز، ومقاومة استغلال البطالة والأطفال والمرأة والمهاجرين والأجانب للعمل بشروط أقل وبدون حماية نقابية.

التطور التاريخي
بدأت الحركة النقابية المصرية مسيرتها مثل كل الحركات النقابية في العالم نتيجة تطور الصناعة المصرية وظهور محالج القطن ومصانع السكر والغزل والزيوت والصابون ثم شركة الأسمنت والترام والملح والصودا.وإذا كان نظام الحرف والطوائف يجعل شيخ الحرفة يفصل في المنازعات وهو الذي يحدد الأجور وشروط تنفيذ العمل والترقي في مراتب العمل.فإن ذلك الدور ينتهي بانتهاء نظام الطوائف وظهور العمل المأجور.ويهم في هذا الصدد ما أكده المؤرخ العمالي الأستاذ عبدالمنعم الغزالي الجبيلي من أن النقابات لم تكن امتداد للنظام الحرفي الذي كان يعتمد علي العمل الفردي ولكن التضامن العمالي تطور مع دخول المصانع الكبيرة . بل و بعد تحطيم نظم الحرف بصدور قانون سنة 1890. ويوضح الغزالي أن النقابات ولدت من رحم الاضرابات الأولي للطبقة العاملة كما حدث أخيراً في ميلاد نقابة الضرائب العقارية المستقلة التي ولدت أيضاَ من رحم الإضراب.

نركز في سنوات النشأة الأولي علي حرية تكوين النقابات بدون قيود إدارية حيث تم إنشاء نقابات لفافي السجاير وعمال المطابع وكتبة المحامين .ويسرد الأستاذ أمين عز الدين كيف اجتمع الخياطين ( الترزية ) في قهوة ألف ليلة وليلة بالقاهرة وحضر أكثر من 1500 فرد ( الجمعية العمومية للنقابة) وكانوا يطالبون بتعديل نظام أجور القطعة.وعقب انتهاء الاجتماع خرج المجتمعين في مظاهرة إلي قصر عابدين.وما يهم في واقعة نقابة الخياطين هو أن الجمعية العمومية حضرها عدد من عمال نقابة لفافي السجاير والنقابات الأخرى بما يعني أن التضامن العمالي كان مبكر .كما ضمت النقابة في عضويتها الخياطين الأجانب والمصريون بما يعكس وحدة العمال في مواجهة رأس المال. فأين نقابات اليوم من خياطين مطلع القرن العشرين؟!
كما أن تجربة الحزب الوطني بزعامة محمد فريد وتأسيس نقابة الصنائع اليدوية التي زاد عدد أعضائها علي 3000 عامل في عام 1912 وكانت تضم عمال السكة الحديد والميكانيكيون والمعماريون والطباخون، فقد كانت نقابة مختلطة تضم أكثر من مهنة.وقد اهتمت نقابة الصنائع بمحو أمية العمال كجزء من نضال الحركة العمالية بينما نحن الآن وعلي بعد ما يقرب من 98 سنة لا يزال لدينا 40% وأكثر من العمال أميين !!!!
كذلك تأسست نقابات لمستخدمي المحاكم المختلطة وكتاب الصحف اليومية والمستخدمين ( الموظفين ) بالإسكندرية وعمال المخابز وعمال عنابر السكك الحديدية وعمال الترام والمطابع وكتبة المحامين وموظفو البنوك والحكيمات وخبراء وزارة العدل ونقابة معلمي المدارس الأولية.كما اتخذت هذه المرحلة عدة أشكال لتنظيم الدفاع العمالي اتخذ مسمي رابطة مثل رابطة سائقي السكك الحديدية المستمرة حتى الآن بهذا المسمي. أو بمسمي جمعية أو نقابة ولكنها مستقلة عن أي تدخل من السلطة.الجمعية العمومية هي اعلي سلطة في النقابة وهي التي تضع نظام النقابة وتنتخب مجلس الإدارة ومراقب الحسابات ومحامي النقابة.
تتميز هذه المرحلة من التاريخ العمالي بغياب التفرقة بين العمال والمهنيين فالنقابات أما نقابة عامة تضم كل عمال القطاع أو نقابة مصنع أو منشأة مثل نقابة عمال الترام أو نقابة عمال شركة السكر.وعندما تأسس أول اتحاد عمال عام 1920 ضم جميع النقابات دون تفرقة.

النقابات المهنية
تعد نقابة المحامين أقدم النقابات المهنية في مصر حيث تأسست عام 1912. كان يوجد في مصر نقابة للمحامين أمام المحاكم المختلطة وأخري للمحامين أمام المحاكم الشرعية وأخري لكتبة المحامين . والغريب أن تنظيم نقابة لمحامين صدر بقانون مستقل حيث لم يكن قانون النقابات العمالية قد صدر حتي سنة 1942 . كما أن نقابة الصحفيين تأسست عام 1941. وبعد صدور قانون النقابات العمالية كان المفترض أن تعمل هذه النقابات ضمن تنظيم واحد ولكن رغبة سلطات الاحتلال والرأسمالية الوليدة في استمرار تفتيت الحركة العمالية أدي إلي استمرار الازدواج النقابي.كما أن المهنيين وخاصة حملات المؤهلات العلمية كان وجودهم سيشكل رافعة للوعي العمالي ووحدة في العمل والكفاح المشترك لا يرضي الرأسمالية والاستعمار.ولكن هذا الوضع الشاذ استمر حتى بعد قيام ثورة 23 يوليو وتبنيها لأفكار اجتماعية .
لذلك يري الدكتور إبراهيم الغطريفي " تعتبر جمهورية مصر العربية الدولة الوحيدة التي يوجد فيها التشكيل النقابي لبعض المهن علي هذه الصورة "

استمر هذا الوضع المعيب منذ مطلع الأربعينات وتطور وتدعم بعد ذلك فقد استطاعت ثورة يوليو استخدام جزء من الطبقة العاملة ضد باقي الطبقة العاملة منذ مارس 1954 عندما تمت عسكرة الحركة النقابية والعمالية وفق تعبير عمنا عطية الصيرفي.ثم تم إلحاق الحركة النقابية بمؤسسات الدولة ربما استلهاماً للتجربة السوفيتية. وعندما أصبحت الحركة النقابية جزء من أجهزة الدولة سمحت الدولة بوجود اتحاد عام للعمال عام 1957 بعد أن فقدت الحركة العمالية حريتها النقابية والتي استمرت حتى الآن.

كما داعبت طموحات وتطلعات الطبقة الوسطي من المهنيين بأنهم متميزين علي العمال ولا يجب أن ينتظموا معهم في نقابات واحدة وجذرت التفتيت الطبقي الذي لاقي قبولاً لدي البرجوازية الصغيرة المتطلعة إلي الصعود الطبقي مرتكزة علي قيم الفردية والتميز . بل انه داخل النقابات العمالية حرم القانون عضوية مجلس إدارة نقابة المصنع أو المنشأة لأكثر من 2 مهنيين بدعوي الحفاظ علي النقاء العمالي وعدم تمثيل المهنيين للعمال وقبل الطرفين بتلك المغالطة فكانت مظهر من مظاهر الأزمة التي نعاني منها حتى الآن.

لقد تم تأسيس 8 نقابات مهنية حتى يوليو 1952 ، 6 نقابات خلال المرحلة الناصرية ، 5 نقابات خلال حكم السادات ، 5 نقابات خلال حكم الرئيس مبارك. وتوجد عدة طلبات لتأسيس نقابات مهنية للمأذونين الشرعيين وأئمة المساجد والأثريين وخبراء وزارة العدل وغيرهم من الفئات التي تطلع لصدور قانون خاص لهم بنقابة مهنية جديدة.





النقابات المهنية وتاريخ تأسيسها في مصر
مسلسل أسم النقابة تاريخ التأسيس
1 نقابة المحاميين 1921
2 نقابة الصحفيين 1941
3 نقابة المهندسين 1946
4 نقابة الأطباء البشريين 1949
5 نقابة أطباء الأسنان 1949
6 نقابة الصيادلة 1949
7 نقابة الأطباء البيطريين 1949
8 نقابة الزراعيين 1949
9 نقابة المعلمين 1954
10 نقابة السينمائيين 1955
11 نقابة المهن التمثيلية 1955
12 نقابة المهن الموسيقية 1955
13 نقابة التجاريين 1955
14 نقابة العلميين 1964
15 نقابة الاجتماعيين 1973
16 نقابة المهن الفنية التطبيقية 1974
17 نقابة مصممي الفنون التطبيقية 1976
18 نقابة الفنانين التشكيليين 1976
19 نقابة التمريض 1976
20 نقابة المرشدين السياحيين 1983
21 نقابة محفظي القرآن الكريم 1983
22 نقابة الرياضيين 1987
23 نقابة مستخلصي الجمارك 1994
24 نقابة العلاج الطبيعي 1994

لقد طالب البعض منذ منتصف الستينات بتصحيح هذا الوضع الخاطئ ولكن الحكومة لم تستجيب ، وحتى اليسار النقابي والعمالي قبل بهذه التفرقة فوقع في فلك الخضوع للتقسيم الطبقي بما يخالف قناعته التي يدافع عنها.حدد بعض الخبراء كيفية تصحيح هذا الوضع الخاطئ لعدة أسباب منها:
• ينتفي تقسيم النقابات إلي عمالية ومهنية بعد السماح لموظفي الحكومة بتكوين نقابات عمالية . وأصبحت لدينا ازدواجية فالموظف عضو في نقابة عمالية بحكم مكان عمله وعضو في نقابة مهنية بحكم المؤهل الدراسي.
• تعتمد النقابات العمالية علي اشتراكات أعضائها فقط للتمويل بينما حاولت الرأسمالية رشوة المهنيين بالسماح بمصادر تمويل من رسوم ودمغات تعود بمكتسبات ومميزات لأعضاء النقابات المهنية ولا تستطيع النقابات العمالية تقديم مثلها لمحدودية مواردها بينما يتحمل العمال الفقراء دفع ضريبة للتميز الطبقي للمهنيين.
• ربما تابعنا خلال الأسابيع الماضية حركة نقابة التجاريين ومطالبتهم بفرض رسوم لصالح النقابة كما هو الوضع في باقي النقابات المهنية. رغم أن ذلك يؤدي لرفع تكلفة الخدمات علي المواطنين.لكن همنا الأساسي هو دعم مصادر التمويل الإضافي بغض النظر من الذي يتحمل تكلفتها.
• يربط النظام الحالي بين عضوية النقابة المهنية وممارسة المهنة.رغم أن المعمول به في الكثير من دول العالم هو أن تنظيم ممارسة المهنة ومنح التراخيص مهمة الجمعيات العلمية والوزارات المعنية وليس مكانه النقابة. لدينا تعدد في الأنظمة فترخيص الأطباء يصدر من نقابة الأطباء وترخيص المهندسين يصدر من نقابة المهندسين وترخيص المحاسبة الحرة يصدر من وزارة المالية وليس من النقابة.
• تخلط النقابة المهنية عدة فئات لايمكن أن تكون لها مصلحة مشتركة فالعضوية تجمع العامل بأجر وصاحب العمل والمهني الحر. كيف يمكن أن تلتقي مصالح مهندس استشاري مثل صبور مع مصالح صاحب مصنع ومصالح مهندس في نفس المصنع لأنهم يحملون نفس المؤهل الدراسي؟!!!هل مصالح المهندس احمد بهجت أو المهندس نجيب ساويرس تتفق ومصالح المهندسين العاملين في شركاته؟!
• كما أن أنظمة الرعاية الصحية والمعاشات التي تقدمها النقابات المهنية هي محاولة لتعويض عجز الدولة وتوجهها لخصخصة التامين الاجتماعي والخدمات الصحية. والمفترض أن تزول الحاجة لهذه الأنظمة لو تم تحسين جودة نظام التأمين الصحي وقيمة المعاشات المنصرفة خاصة في ظل تواضع قيمة المعاشات التكميلية التي تمنحها النقابات المهنية.

الخلل الهيكلي
يقع معظم النشطاء المتحدثين في أزمة النقابات في مصر.خاصة عند الحديث عن النقابات المهنية إلي صدور القانون 100 لسنة 1993 وكأنه سبب الأزمة ويغضون الطرف عن كل الاختلالات الهيكلية الأخرى.
إن نظم الانتخابات التي تعتمد علي ترشيح محاسب في وزارة المالية بالقاهرة لعضوية مجلس إدارة شعبة المحاسبة في نقابة التجاريين. يتم انتخابه من جميع أعضاء شعبة المحاسبة في 29 محافظة من إسكندرية إلي أسوان ومن مرسي مطروح إلي سيناء والبحر الأحمر.هل هذا منطقي؟! وما الفرق بين ذلك وبين انتخابات رئاسة الجمهورية.ألا يعد ذلك شكل استبدادي لا يسمح سوي لممثلي الحكومة فقط بالنجاح لأن تنظيمهم جغرافي ويتم بالتعليمات التي تفوق طاقة أي حزب وأي مرشح.
إذا كانت عضوية مجلسي الشعب والشورى تتم علي مستوي الدوائر لماذا يجبر المرشح لنقابة مهنية علي معرفة الجمعية العمومية في 29 محافظة!!!هل القانون 100 هو الذي استحدث ذلك ؟! كل ما فعله هو انه حدد نصاب لصحة انعقاد الجمعية العمومية في كل المحافظات.وهو محاولة فاشلة لوقف زحف الأخوان المسلمين علي النقابات المهنية.
عندما ناقشت أحد أعضاء مجلس إدارة نقابة التجاريين إن النقابة لم تتم بها انتخابات منذ عام 1989 أي منذ 21 سنة والنقيب الدكتور حلمي نمر توفاه الله. ثم الأستاذ أحمد فؤاد أبو حجر. والنقيب الحالي هو الأستاذ سمير علام هو ثاني نقيب يتولي بدون انتخابات.فأجاب لو دعينا لانتخابات محدش هيجي ، ويفرضوا مجلس نقابة من الحكومة أو يحطوا النقابة تحت الحراسة. كدة أحسن واللي بيموت بنصعد اللي بعده. هذا الشخص نقابي شريف وغير حكومي لكن رؤيته قائمة علي الخلل الهيكلي الحالي ولم يفكر في حل آخر.

إذا حاولنا تأمل مظاهر الخلل الهيكلي نجد الآتي:
1. عدم وجود بنيان نقابي فالعضو في شعبة مثل مهندسي الميكانيكا في نقابة المهندسين أو شعبة التنظيم والإدارة في نقابة التجاريين هو عضو في النقابة العامة كما هو الحال في نقابة الأطباء ونقابة التشكيليين وغيرها.يمثل جميع المحافظات وموظفي الحكومة مع القطاع العام مع القطاع الخاص والاستثماري فهل يؤدي ذلك لفاعلية نقابية؟!
2. خلط المصالح بما يشل الفاعلية النقابية فالمهني الأجير وصاحب العمل والاستشاري كلهم أعضاء في نقابة واحدة.هل ننتظر فاعلية من هذه النقابة؟ إن نقابة المعلمين تضم المعلمين وأصحاب المدارس ونقابة الأطباء تضم أطباء الوحدات الريفية وأساتذة الجامعات وأصحاب المستشفيات الاستثمارية.هل هذا منطقي؟! هل يؤدي لنشاط نقابي حقيقي ؟!
بل أن الصراعات المهنية الضيقة تمزق فرص وحدة العمل من أجل المطالب العامة المشتركة ولنتأمل الخلاف بين الأطباء وأخصائي العلاج الطبيعي.أو الخلاف بين المعلمين والإداريين بالتربية والتعليم.والخلاف بين أخصائيات التمريض والممرضات والزائرات الصحيات لنعرف أن النقابات القائمة تعكس حالة من الفردية وغياب الرؤية للقضايا المشتركة وتنمية النعرات المهنية للمعلمين علي الإداريين ، ولأخصائيات التمريض علي الممرضات بما يضعف من فرص العمل المشترك.
3. التمثيل الجغرافي علي مستوي المحافظات وبالتالي محافظة القاهرة التي تضم أكثر من 12 مليون مواطن تعد نقابة فرعية واحدة مثلها مثل مرسي مطروح أو الأقصر أو شمال سيناء . هل هذا منطقي؟!!
4. تنظيم المهنة والتراخيص المهنية والتدريب والتنمية المهنية أمور تخص الجمعيات العلمية التي يجب أن تمثل بها النقابة للدفاع عن حقوق أعضائها.بينما دور النقابة الأصيل هو الدفاع عن مصالح أعضائها وحقوقهم في أجور أعلي وشروط عمل أفضل، ومشاركة أكثر فاعلية في إدارة الشئون العامة.
5. الخلط بين الحزبي والنقابي.فالحزب الوطني ومن قبله الاتحاد الاشتراكي ظل مسيطراً لسنوات طويلة علي النقابات المهنية ولا توجد مشكلة. وعندما فعلت جماعة الأخوان المسلمين نفس الشئ واستبعدت الآخرين.جمدت الحكومة النقابات بالقانون 100.هنا تبرز مشكلة ضيق الساحة السياسية وتقييد التعددية الحزبية مما يخلق الخلط بين دور النقابة ودور الحزب السياسي. المطلوب هو استقلال النقابات عن الأحزاب السياسية وألا تتحول لتابع لها مثل اتحاد العمال الآن وبعض النقابات المهنية أو تبعيتها لجماعة الأخوان المسلمين.النقابات يجب أن تظل مستقلة عن الأحزاب والجميع يمارسون نشاطهم علي أساس انتمائهم الفئوي وليس علي أساس انتمائهم السياسي.الانتماء السياسي مكانه الحزب السياسي سواء الشيوعيين أو الأخوان المسلمين أو أي قوي سياسية ولكن بعيداً عن النقابة.
6. النقابات لها دور مهم في العمل السياسي باعتبارها تعبر عن مصالح أعضائها ويمكن لها ممارسة كافة أشكال العمل السياسي ومناقشة كافة القضايا العامة وتشارك في صنع السياسة العامة كجزء من المجتمع المدني.فالنقابة تتأثر بالسياسات القائمة وبالتشريعات القائمة والتشريعات التي تعد ويجب أن تكون لها رؤية نابعة من مصالح أعضائها.عندما يرفض الصيادلة نظام تسعير الدواء الجديد هم لا يمارسون السياسية بقدر ما يمارسون دورهم المطلوب كنقابة. وعندما يرفضون قرار تحديد مساحة الصيدليات فهم يرفضون السياسات التي تتوجه لتمركز رأس المال علي حساب المشروع الصغير وذلك هو صميم دورهم.كما أنها تتأثر بالأحداث العربية والعالمية ويكون لها رأي فيها.
عندما ترسل نقابة الأطباء وفد لإغاثة غزة فهذا جزء من دورها وليس دور سياسي للنقابة.لذلك علينا أن نفرق بين عدم خضوع النقابة لتنظيم سياسي وبين اشتغالها بالسياسة .والأساس هو أن تكون معبر حقيقي عن أرادة غالبية الجمعية العمومية وأعضائها وليس عن رغبة وإرادة تيار أو مجموعة محددة.
7. غياب الرؤية العامة للقضايا المشتركة حيث أن قضية الأجور والأسعار وهي القضية الرئيسية علي جدول أعمال الحركة العمالية طوال الوقت وان كانت قد أخذت وتيرة أسرع منذ نهاية عام 2006 وحتى الآن.ولكن رغم اتفاق الكثير من اللجان العمالة بين صفوف العمال علي قضية الحد الأدنى للأجور.ظلت التحركات المصنعية تطالب بزيادة بدل الوجبة أو بدل طبيعة عمل أو مواصلات ولم يتم تنظيم إضراب مشترك حول هذا المطلب ولو علي مستوي قطاع صناعي أو مدينة واحدة .
أما علي مستوي النقابات المهنية فالقضية اخطر لأن جوهرها هو التمييز المهني الضيق وليس النضال العمالي بمعني التضامن العمالي الواسع.حركات المعلمين تطالب بكادر خاص للمعلمين ولا تهتم بتطبيقه علي الإداريين باستثناء بعض المجموعات الواعية مثل اتحاد معلمي الجيزة الذي أصدر بيان تضامن مع حركة الإداريين أو جماعة أطباء بلا حقوق التي أصدرت بيان للتضامن مع ممرضات شبين الكوم.
بينما الغالبية عكس ذلك حيث يطالب الأطباء بكادر خاص دون النظر لمرتبات التمريض والعاملين ودون ربط ذلك بحقوق المرضي. ويطالب العلميين بكادر خاص وتغيب الرؤية العامة. وتستغل الدولة مناخ التفتت هذا لبث الفرقة ومداعبة كل فئة بمفردها بوعود ببعض التحسينات بينما تظل قضية الحد الأدنى للأجور والذي اتفق علي أنه لايقل عن 1200 جنيه مجرد سطور ضمن بيانات العديد من اللجان والمنظمات النقابية لا تجد من يحولها لخطة عمل في الواقع وشعار للحركة العامة علي المستوي القومي.

مستقبل النقابات المهنية
لقد أوضحت خلال الورقة أنه لا توجد لدينا نقابات مهنية ولا نقابات عمالية في ظل التشريعات الحالية التي تعزل المهنيين عن العمال.والحل يكمن في انتزاع الحرية النقابية وحق إنشاء النقابات دون قيود أو شروط من أي جهة إدارية وبحيث تستمد شرعيتها من الجمعية العمومية لأعضائها وذلك وفق المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر والتي تلزمها بتطبيقها ووفقاً لقرارات منظمة العمل الدولية.
الخطوة الأولي علي طريق بناء النقابات المستقلة هو إعادة إحياء فكرة النقابة ودورها في أذهان وعقول أجيال لا تعرف ما هي النقابة. وإحياء الخبرات التاريخية وإصدار الكتيبات والنشرات عن أهمية النقابة ودورها في تحسين أجورنا وشروط عملنا وتحديد دورنا في المجتمع. ومناقشة ذلك ضمن التجمعات المختلفة لزملائنا.
الخطوة الثانية هي بناء منظمات نقابية أو لجان أو روابط أو جمعيات لكل موقع عمل.أطباء مستشفي المطرية يكون لهم نقابة أطباء مستشفي المطرية وأطباء مستشفي باب الشعرية يكونون لجنة نقابية وأطباء مستشفي أبو الريش وهكذا.ونفس الشئ ينطبق علي التمريض وعلي التجاريين والزراعيين والتطبيقيين.
كل موقع عمل يعمل به 20 عامل من نفس المهنة يمكنهم تأسيس لجنة نقابية والمواقع التي يعمل بها أقل من 20 يتجمع أكثر من منشأة لاستكمال العدد وتكوين لجنة نقابية.
الخطوة الثالثة هو اجتماع الجمعية العمومية لنقابة المنشاة ووضع النظام الأساسي وانتخاب مجلس الإدارة.وجوهر العمل النقابي هو أن الجمعية العمومية يكون لها مواعيد انعقاد ثابتة في مكان خارج موقع العمل وبعيداً عن تدخلات الإدارة . ويختار أطباء كل قسم مندوب نقابي يمثلهم ومن حقه حضور اجتماع نقابة المستشفي. نفس الشئ يمكن أن يطبق علي التجاريين في شركة من كل التخصصات يشكلون جمعية عمومية ويكون لكل إدارة عامة أو لكل إدارة مندوب نقابي المشتريات والحسابات والموارد البشرية وهكذا.
الخطوة الرابعة تضع الجمعية العمومية للنقابة برنامج عمل يبدأ مجلس الإدارة في تنفيذه والمفاوضات علي تحقيقه كممثل لجموع الأعضاء.
الخطوة الخامسة التنسيق في العمل مع النقابات الأخرى حول مطالب مشتركة مثل تضامن لجان نقابات أطباء التأمين الصحي مع أطباء وزارة الصحة وتضامن التجاريين بالمستشفيات مع التمريض والأطباء في مطالبهم وهكذا تطور حركة التضامن وتتسع.كما أنها يمكن أن تشمل أكثر من مهنة لأن الكثير من المطالب موحدة وتجمع عدة فئات.
بذلك يمكن أن تخرج النقابات المهنية من عزلتها لتتفاعل بشكل أفضل وتحقق أهدافها التي نشأت من اجلها. يجب ألا نعلق الأزمة علي شماعة القانون 100 لأن غياب الحرية النقابية أقدم من ذلك بكثير. إن الحريات النقابية لن تأتي لنا علي طبق من ذهب.ولن تمنحها لنا دولة أساسها الاستبداد والعداء للحريات العامة وتزوير إرادة الناخبين.إن الحرية تنتزع ولا تمنح.الأزمة تكمن في أن جموع المهنيين بعيدة عن فكرة النقابة وتري فيها بطاقة صحية ورحلة عمرة فقط ولا تعرف لها دور آخر. لذلك فإن استعادة الفكرة النقابية وبناء النقابات المستقلة في كل المواقع والتنسيق بين المواقع المختلفة يمكن أن يخلق حركة نقابية حقيقية.

بعدها يمكن أن تتجمع النقابات جغرافيا وقطاعياً في نقابات عامة تتبني مطالب قطاعات اكبر وأوسع وتصعد من أساليب مواجهتها مستندة إلي قوتها وتلاحم أعضائها وإيمانهم بالطريق النقابي لتحسين وتطوير أوضاعهم ورفع أصواتهم وتمثيلهم علي مختلف المستويات.
إننا لسنا بحاجة لتحرير النقابات المهنية أو النقابات العمالية ولكننا بحاجة لانتزاع الحريات النقابية التي تحقق مصالح الجميع وتزول فيها الفروق المصطنعة بين العمال والمهنيين. لتتوحد جهود كل الأجراء في مواجهة رأس المال وبالمفاوضة الجماعية والدفاع عن حقوقنا المشروعة يمكن أن يكون غداً أفضل من اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق